|
قالت مجلة «فورين بوليسي إن فوكس» إنه يبدو أن الإرهاصات الأولى نحو إعادة رسم خريطة جديدة في الشرق الأوسط قد بدأت منذ فترة.
وأضافت المجلة، في تقرير لها أن البعثيين العلويين في سوريا والسنة في سوريا أيضا وكردستان والعراق السنية والعراق الشيعية هي مجرد دفعة أولى لدول جديدة يجري تشكيلها على الأرض. كما أن إدارة «أوباما» قد قبلت دور روسيا في نهاية المطاف في الحفاظ على الدولة البعثية السورية للعلويين، وهم الطائفة الدينية التي تشكل 12% فقط من مجموع سكان سوريا، والتي تظل موالية للأسد حتى على الرغم من تدهور أوضاعها.
وأوضح التقرير أنه "في ظل عدم وجود أي شكل من أشكال التسوية المسبقة، كان هناك شعور أن الاجتماع الدبلوماسي المشترك بين «أوباما» و«بوتين» يوم 29 سبتمبر لا يمكن أن يتبلور إلى شيء. ولكن الأمور صارت أكثر وضوحا حين خرج وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» ونظيره الروسي «سيرجي لافروف» كتفا بكتف في مبنى الأمم المتحدة في 30 ديسمبر/كانون الأول كي يعلنا رؤيتهما المشتركة لحل النزاع في سوريا من خلال «العملية السياسية». وبالتالي فقد وضعت لولايات المتحدة خاتم الشرعية على التدخل الروسي".
وكشف التقرير أن "بعد أن تم توقيع الاتفاق النووي الإيراني في يوليو، كانت واشنطن على وضع الاستعداد بالفعل لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ربما ما ساهم في هذه الخطوة هو التسارع المفاجيء لتدفق اللاجئين المسلمين الذي أغرق قلب أوربا منذ أوائل سبتمبر. وعلى الرغم من قيام ألمانيا بفتح أبوابها، فإنه لا يمكن لأحد أن يتخيل أن بإمكان حلفاء الولايات المتحدة الأوربيين استيعاب مليوني مهاجر من غير المسيحيين".
ونتيجة لذلك، فإن مثل هذا الضغط الهائل على البيت الأبيض من أجل تخفيف العب الإنساني على حلفائه قد صار غير محتمل إلى درجة أن الرئيس «أوباما» كان عليه أن يضطر إل التخلي عن مثاليته الزائدة بالتمسك بإسقاط الرئيس السوري «بشار الأسد» عن السلطة. وبعد ذلك، وكما ذكرت التقارير في 23 سبتمبر، فقد قرر أن يجتمع مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في نيويورك في أول لقاء وها لوجه بينهما منذ أكثر من عام، على الرغم من أنه تمسك بإصراره على رحيل «الأسد» في خطابه أمام الأمم المتحدة.
وتابع التقرير : أن الضربات الجوية الروسية في سوريا تعني أن موسكو تسعى للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأرض نيابة عن الأسد خلال الفترة الانتقالية التي ربما تم الاتفاق عليها في اجتماع «كيري-لافروف»، من أجل فرض أمر واقع يضمن سيطرة العلويين على العاصمة دمشق. في حين أنه من غير المؤكد ما إذا كان «الأسد» قد يتنحى أو لا، يبدو أن حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم سوف يبقى في السلطة.
وأشار تقرير المجلة إلى أن الأساس المنطقي القائم خلف القبول المتردد للرئيس «أوباما» للتدخل العسكري الروسي في سوريا هو بسيط جدا، ألا وهو الانقسام بين العلويين والسنة. العلويون هم أقلية دينية طائفية تسيطر على السلطة في حين يشكل المسلمين السنة أكثر من 70% من عدد السكان. ونظرا لأن النظرة التقليدية السنية غالبا ما تصم لعلويين بالكفر، فإن النظام البعثي، بسبب طابعه العلماني من جهة وحقيقة هيمنة العلويين عليه من جهة أخرى، لم يتمتع بأي نوع من الشرعية الدينية بين السنة. لم يتمكن أي من الفريقين من القضاء على الآخر على مدار 5 عقود، لذا فإن الحل السريع قبل تفاقم مشكلة اللاجئين السنة في أوروبا هو السماح لكلا الطائفتين بالاستقرار في أراضيهم مع وجود حدود تفصلهم عبر شكل من أشكال الانفصال يتم تدبيره بالاشتراك بين «أوباما» و«بوتين».
الأكراد، وعلى الرغم من سفك الدماء المنتشر في كل مكان، فإنهم مستفيدون جزئيا من الفوضى التي تعم أرجاء المنطقة، والتي لم تعد تتمتع فيها الحكومتان في دمشق وبغداد بسيطرة فعلية. ويرجع ذلك جزئيا إلى «الولايات المتحدة لا يثق بأحد إلا الأكراد».
نقاط البيع الرئيسية التي تدفع البيت الأبيض نحو تعزيز قيام دولة كردستان لا تقتصر فقط على تحقيق التوازن في تأثير دمشق وبغداد ولكن أيضا للتحكم في ورقة يمكن من خلالها زعزعة الاستقرار الإثني في إيران (4.7 مليون كردي يعيشون في إيران و1.5 مليون يعيشون في تركيا). مع ثقة واشنطن بهم والتعزيز المستمر للولايات المتحدة، فإن الأمر ليس سوى مسألة وقت قبل أن يتحول الأكراد إلى الاستقرار الفعلي ورفع اسمهم على دولة ذات سيادة حقيقية.
ووفقا للتقرير ، فإن الاتصال الخطير ما بين الحكومة الشيعية والعراقية وبين طهران لا يصب بالتأكيد في مصلحة الولايات المتحدة. من الناحية الاستراتيجية، كذلك فإن احتلال الموصل من قبل «الدولة» في العراق والشام وفقدان الحكومة في بغداد سيطرتها ليس مرغوبا فيه من قبل واشنطن أيضا.
هناك الملايين من العراقيين السنة الذين يعيشون الآن على طول نهر دجلة من الموصل إلى تكريت ونهر الفرات من عانة إلى الفلوجة، والذين يقعون بالفعل خارج نطاق سيطرة السلطة الشيعية. ولذا فإن الحكم الذاتي سيكون الخيار الأفضل لتنفيرهم من الخضوع لسلطة «الدولة الإسلامية». وسوف يمكن لهذا العراق السني الجديد أن يقلم التأثير السياسي والاقتصادي للحكومة الشيعية الذي سوف يكون قد تقلص أصلا بعد انفصال الأكراد.
هناك سبب عملي يجعل تفكيك العراق أمرا ضروريا، وهو أن النسخة الغربية من النظام الديموقراطي لا تعمل بشكل جيد مقسم عرقيا وطائفيا حيث يكون التصويت للمجموعة العرقية أو الدينية ملزما بدرجة كبيرة. كما أن طغيان الأغلبية دون حماية الأقليات سوف يكون النتيجة التي تفرزها الانتخابات أيا كانت درجة نزاهتها. مع مرور الوقت، فإن النتيجة الحتمية ستكون في النهاية هي اندلاع المواجهات الطائفية والعنف وتغذية نمو المتطرفين.
تقوم إدارة «أوباما» بالمشاركة مع الكريملين بإدارة خطة لتقسيم سوريا والعراق إلى 5 دول سياسية منفصلة أو أكثر مع حدود واضحة بينها على أمل أن ذلك سوف يقلل من جاذبية تنظيم «الدولة الإسلامية». الصين، المتلهف لرؤية الهدوء في هذه المنطقة لتسهيل مشروعات طريق الحرير يمكنه المساهمة أيضا في صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا بالنظر إلى أن الرئيس «أوباما» قد قام بالفعل بالعديد من المباحثات مع الرئيس الصيني «شي جين بينغ» في واشنطن قبل ثلاثة أيام من اجتماعه الخاص مع «بوتين» في نيويورك. دعوة وزير الخارجية الصيني للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية قد لا تكون مجرد صدفة. وبعد أن يحصل على تأييد روسيا والصين، من غير المحتمل أن يلقى الأمر أي اعتراض في مجلس الأمن.
|
|
|