إعلان نصى هنا   Online Quran Classes   إعلان نصى هنا  
           
2014-12-27 03:05
هل نجحت الثورة التونسية؟


حتما ستبقى الحاجة إلى مثل هذا التساؤل قائمة بعد فوز الباجي قايد السبسي مرشح حركة نداء تونس، على منافسه الرئيس الانتقالي محمد منصف المرزوقي، وستظل الأوضاع في تونس الخضراء محل ترقب دقيق محليا وإقليميا ودوليا.

وربما كانت الإجابة ستصبح محسومة لولا ما اعترى ثورات الربيع العربي من تصدع، تبدلت معه المعايير المفترضة لتقييم الثورة التونسية، والتي تنبني على مدى تحقق أهدافها الأولى.

قامت الثورة التونسية للإطاحة بنظام بن علي المبني على الاستبداد والتبعية الغربية، ولكن نظرا لأن العرب لم يتعلموا من أبجديات الثورات الناجحة، فقد ظلت الدولة العميقة حية باقية داخل الدولة، واقتصر التطهير على إزالة رأس النظام.

تلك الدولة التي عادت هذه الأيام عن طريق الصناديق، إذ فاز السبسي بمنصب الرئيس التونسي، وهو الذي يعد رمزا من رموز نظام بن علي.

عاد النظام بأموال رجاله القدامى الذين اتكأ عليهم السبسي، وبدعم من اليساريين الذين ارتضوا عودة نظام بن علي في مقابل عدم صعود الإسلاميين، أو حتى من تحالف معهم (المرزوقي كأحد أضلاع الترويكا).

لقد تطلعت الثورة التونسية لإقامة نظام ديموقراطي يزيل آثار الديكتاتورية التي رزح الشعب تحت نيرها في حقبة بن علي، يلبي تطلعات الشعب التونسي الذي يتسم بالنضج والوعي.

ولكن الفترة الماضية قد أظهرت لدى السبسي ورجاله نية الإقصاء والضرب بمبادئ الديموقراطية عرض الحائط.فما إن فاز حزب نداء تونس بالانتخابات التشريعية حتى سارع بالإعلان عن حصوله على أغلبية برلمانية تؤهله لتشكيل الحكومة القادمة دون أن يضطر للتحالف مع حركة النهضة الإسلامية التي حلت خلفه بالانتخابات.

ثم ها هو القيادي في حركة نداء تونس توفيق بوعشبة، يصرح عقب فوز السبسي على قناة الجزيرة، بأنه "لا يتوقع أن يمد حزب "نداء تونس" يده إلى حركة النهضة، بل المؤكد أنه سيذهب إلى أحزاب أخرى مثل الاتحاد الوطني الحر الذي آزر السبسي في الانتخابات وحزب آفاق تونس".

كما أننا لا يمكن أن نغفل الدول العربية التي دعمت السبسي للوصول إلى سدة الحكم، وهي دول اجتمعت مصالحها على ملاحقة التيار الإسلامي في دول الربيع، فلا ريب أن السبسي سيجد نفسه ملزما برد الجميل، والذي لن تقل صورته عن إقصاء وتهميش الإسلاميين.

ثم تأتي الطامة الكبرى التي تضمنها أول تصريح للباجي السبسي فور فوزه بالانتخابات، والذي نقله موقع تونس نيوز، يتحدث فيه عن خطورة "الإرهاب"، وأنه بحاجة إلى تفويض، ليحذو حذو عبد الفتاح السيسي في مصر بعد الإطاحة بالدكتور محمد مرسي، وكذا اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر من بعده.

إن مثل هذه التصريحات التي لا تتفق مع تلك اللحظات التاريخية- التي وصفت بأنها النجاح الوحيد للتجربة الديموقراطية في دول الربيع – لتنبئ بأن الحريات في عهد السبسي ستكون نسبية فئوية، تفتح وتغلق أبوابها لمصلحة النظام، خاصة وأن الباجي (88 عاما) من فئة المسنين أمثال بوتفليقة، والذين وصلوا إلى الفترة الحالية حاملين الصور التذكارية للأنظمة القمعية التي لا تستوعب المتغيرات في ثقافة الشعوب.

إن هذه الصورة التي ارتضيناها وقبلناها لمآل الثورة التونسية قد فرضت نفسها علينا، نظرا لأن تونس هي الوحيدة من بين حسناوات الربيع التي تفادت الاقتتال أو الصراع الداخلي الذي أشعلته قوى الثورة المضادة، على غرار ما حدث في سوريا واليمن وليبيا ومصر، وتلاقت هذه النظرة مع رؤى وطنية صادقة لبعض الأطراف الفاعلة في الداخل التونسي جعلتها تستوعب بعمق ضرورة تحمل الأضرار الجزئية لدفع أخرى أعظم في تلك الفترة الحرجة.

لقد ظهر الإحباط واضحا لدى الشباب في ضعف إقبالهم على صناديق الاقتراع، لأنهم ببساطة شديدة يستوعبون أن الثورة التي سالت دماؤهم من أجل إنجاحها لم تحقق أهدافها المرجوة، ولا يستطيع أحد التشكيك في كون الشباب هم المعيار الذي يقاس به مدى نجاح الاستحقاقات الانتخابية.

إننا إذ نقول بأن التجربة التونسية نجحت على النحو الذي ذكرنا، فإن حركة النهضة التونسية كانت اللاعب الأبرز في تفويت ما كان يدبر لتونس من قبل الثورة المضادة التي عبر عنها الكاتب وائل قنديل بـ "التنظيم الدولي للثورات المضادة".

لقد كانت حركة النهضة - التي فازت بأكثر مقاعد المجلس الوطني التاسيسي التونسي مدركة لأبعاد تصدر الإسلاميين المشهد، سواء كان لدى الدول العربية التي ترتعد فرائصها من المد الإسلامي الذي يهدد هيبة عروشها، أو من الدول الغربية التي تخشى إقامة أنظمة أصولية في المنطقة.

ولم يغب عنها كذلك التجربة المريرة التي عانت منها جارتها (الجزائر) عندما فوجئ النظام بصعود جبهة الإنقاذ، ولم يستوعب بالطبع وجود نظام إسلامي يسدل الستار على الفساد والنفعية والاستبداد، فكانت الأحداث الجسام التي سالت فيها الدماء وفتحت أبواب السجون على مصراعيها، وفتح الطريق إلى التمكين للتصوف بدعم حكومي رسمي ليحل مكان التيار الإسلامي السني.

بدأت النهضة فور هذا النصر الشعبي بدعوة الأحزاب الأخرى ذات الأغلبية لتشكيل الائتلاف الحاكم "الترويكا"، تولت خلالها رئاسة الوزراء عن طريق مرشحها حمادي الجبالي (ومن بعده علي العريض)، وكان منصف المرزوقي (المؤتمر من أجل الجمهورية) رئيسا، بينما تولى رئاسة المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر عن (التكتل الديموقراطي).

واستمرت النهضة في التعاطي مع الواقع التونسي وموازين القوى السائدة، تمثل ذلك في المشاركة في الحوار الوطني والقبول بخروجها من الحكم وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تشرف على المرحلة الانتقالية.

كما تفاعلت إيجابيا مع مبادرة المجتمع المدني المتمثلة في المشاركة في الحوار الوطني، وصولا إلى قبولها الخروج من الحكم، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية أشرفت على إنهاء المرحلة الانتقالية، عبر تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية".

ثم كان قرار الحركة بعدم الدفع بأي من عناصرها للانتخابات الرئاسية، وختمت هذه المنظومة بقرار عدم دعم أي من طرفي الماراثون الانتخابي (المرزوقي والسبسي)، وترك حرية الاختبار لأعضاء حركة النهضة.

لقد دفعت حركة النهضة من جيبها الخاص ثمن المرور الآمن للعملية الديموقراطية في تونس، وخاطرت بتعرض الحركة لتصدع لحمتها الداخلية، فالتنازلات المتتالية – وفق رؤية البعض- التي قدمتها الحركة والتفريط في مكتسباتها التي حصلت عليها وفق آليات ديموقراطية، أثارت السخط داخل الحركة.

كما أن حركة النهضة قد دفعت الثمن بتراجع شعبيتها بين قطاع من التوانسة كانوا يؤملون في إقامة نظام إسلامي بديلا عن العلماني.

وفي المقابل، أطلق انسحاب الحركة من المشهد ألسنة الشامتين، ورددوا بزهو أنه قد سقطت أسطورة الإسلام السياسي وحتمية فوزه في الاستحقاقات الانتخابية.

ثم ينسب الفضل بعدها في إنجاح ذلك المسار إلى محمد منصف المرزوقي، ذلك الرجل الذي أدار الفترة الانتقالية بكل نزاهة وشفافية وانضباط، ولم يضع أي عراقيل أمام الانتخابات البرلمانية والرئاسية، داعيا في كل مناسبة إلى تقبل نتائج الانتخابات.

كما أنه دعا أنصاره الغاضبين في الجنوب إلى الهدوء وتقبل نتيجة فوز السبسي، ودشن كذلك لحزب سياسي يتصدى للفساد ليكمل دوره الثوري كمناضل سياسي وطني.

إذا نستطيع القول بأن الثورة التونسية تمثل نجاحها عبر نقاط محددة:
· ـ تفادي السيناريوهات الدموية في دول الربيع العربي الأخرى
· ـ الروح الثورية التي دبت في الشعب الثوري والتي جعلته قابلا للتثوير على الأوضاع الجائرة
· ـ أعطت للدولة التونسية شكلا ديموقراطيا غير مسبوق
· ـ الإبقاء على لب قواعد الإسلام السياسي متمثلا في بقاء الإسلاميين في الحياة السياسية دون أن تتبنى الدولة رسميا ملاحقته وإقصائه كما هو الحال في مصر.
كما أننا يمكننا القول بأن الثورة التونسية تمثل فشلها عبر نقاط محددة:
· ـ عودة جزئية للنظام القديم وهو ما يثير المخاوف على مستقبل الديموقراطية.
· ـ عدم تحقيق تطلعات الشباب الذين كانوا عماد الثورة، وغيابهم النسبي عن المشهد.
· ـ عادت تونس لأن يكون شأنها الداخلي مرتعا لتنفيذ أجندات خارجية، تمثل في دعم خليجي وجزائري لأركان النظام السابق لإعادته مجددا.
· ـ عدم وجود ضمانات كافية لإيجاد مسار ديموقراطي.
بقي أن نقول أن ثمة ما يمكن التعويل عليه في المرحلة القادمة في تونس لمنع عودة الدكتاتورية أهمها:
المعارضة الواعية الرشيدة، فحزب النهضة قد استحوذ على الكتلة البرلمانية الثانية بـ 69 نائبا، أي صار الثلث المعطل، يضاف إلى ذلك تكوين أحزاب جديدة بروح ثورية (مثال على ذلك الحزب الذي يعتزم المرزوقي إنشاءه).
· مؤسسات المجتمع المدني القوية في تونس والتي كان لها دور كبير في الثورة التونسية، والتي ينتظر منها مزيد من الفاعلية.
دور الإسلاميين في ظل الأوضاع الجديدة، وضرورة انخراطهم في العمل المجتمعي وعدم التعويل كليا على الممارسة السياسية، والاستفادة من التجربة السابقة لتهيئة الشعب التونسي لتقبل فكرة إقامة نظام إسلامي وتجميعه عليها.

لكن لا يسعنا في نهاية المطاف إلا أن ننظر إلى التجربة التونسية بكل مفرداتها الداخلية والخارجية، ونتقبل ويتقبل الشعب التونسي مرحليا فكرة النصف نجاح.


 



خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google




قريبا

         
                     
    اعلان نصى هنا Online Quran Classes   اعلان نصى هنا